تقرير: الاحتلال يحرم 67 طفلًا من حقهم بالتعليم في عرب الكعابنة
قالت منظمة البيدر في تقرير حقوقي ميداني مطوّل، إن ما حدث في مدرسة عرب الكعابنة الأساسية المختلطة يوم الجمعة 2025/7/4، هو جريمة مركبة تمسّ جوهر حق الإنسان في التعليم، واعتداء ممنهج على واحد من أهم مقومات الحياة المدنية للسكان الفلسطينيين في المناطق المهمشة ووصفت المنظمة ما جرى بأنه تجاوز لكل الخطوط القانونية والأخلاقية، ويؤكد أن سياسات الاحتلال لا تفرق بين البنية التحتية والمكون البشري حين يتعلق الأمر بمحاولة تفكيك الوجود الفلسطيني في الأرض.
وأكدت المنظمة أن الاعتداء على المدرسة لم يكن حادثًا عابرًا أو تصرفًا فرديًا، بل هو جزء من منظومة متكاملة تستهدف ضرب ركائز المجتمع الفلسطيني في التجمعات البدوية، لا سيما تلك الواقعة في مناطق (ج)، حيث تمارس سلطات الاحتلال سيطرة عسكرية تامة، وتستخدم هذه السيطرة في التضييق اليومي على السكان، وتدمير نُظم التعليم والخدمات.
وأوضحت منظمة البيدر أن مدرسة عرب الكعابنة، التي تخدم 67 طفلًا وطفلة، كانت تمثل بارقة الأمل الوحيدة في منطقة صحراوية نائية تعاني من انعدام المواصلات والمياه والخدمات الأساسية كانت المدرسة بمثابة المركز الثقافي والتربوي الوحيد الذي يلجأ إليه الأطفال وأسرهم كل صباح، وتحمل على جدرانها أحلامًا بسيطة، لكنها عميقة، في بناء مستقبل كريم ومتماسك رغم الفقر والعزلة.
وأضافت المنظمة أن المدرسة لم تكن فقط مكاناً للتعليم، بل كانت بمثابة البيت الثاني لهؤلاء الأطفال، والمكان الذي يشكّل وعيهم، ويمنحهم مساحة للتفكير والنمو والتعبير، كما كانت تُدار من قبل طاقم تربوي متخصص من 20 معلمًا ومعلمة يعملون رغم انعدام الأدوات والمستلزمات، ورغم تهديدات الاحتلال المتكررة.
وفي ساعات مبكرة من صباح الجمعة، داهمت قوات الاحتلال المنطقة، وحاصرت المدرسة بشكل مفاجئ. ثم اقتحم الجنود باحاتها وأصدروا أوامر عسكرية بإخلاء فوري، تبع ذلك قيامهم بإغلاق المدرسة بالأوامر العسكرية، ما تسبب بحالة من الفزع والصدمة في صفوف الطلبة والمعلمين وأهالي التجمع ووثقت المنظمة لحظة خروج الأطفال من المدرسة في مشهد حزين، بعد أن طُلب منهم مغادرة المكان بلا حقائب ولا كتب، وتحت تهديد السلاح.
وأشارت المنظمة إلى أن المستوطنين لم يكتفوا بالمشاركة غير الرسمية في الاقتحام، بل قاموا برسم نجمة داوود على جدران المدرسة، بطريقة اعتبرتها منظمة البيدر استفزازية ومهينة، وأشبه بمحاولة فرض رموز احتلالية على بيئة التعليم الفلسطينية وقالت المنظمة إن هذه الرسومات لم تكن عبثية أو فردية، بل جزء من سياسة منظمة تهدف إلى تحويل المؤسسات التعليمية إلى أماكن تحمل طابع القهر والهيمنة والإذلال.
ونوهت البيدر أن استخدام رموز أيديولوجية في حرم تعليمي يُعد خرقاً واضحًا لعدد من المواثيق الدولية، منها اتفاقية جنيف الرابعة، واتفاقية حقوق الطفل،والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تنص بوضوح على حماية المؤسسات التعليمية من كل أشكال التعدي السياسي والعسكري.
وأكدت المنظمة أن عملية الإغلاق جاءت تتويجاً لسلسلة طويلة من المضايقات، أبرزها منع إدخال مواد ترميم وتجهيز إلى المدرسة،ورفض منح تصاريح دائمة للبناء أو التوسعة، إلى جانب رسائل تهديد غير مباشرة وصلت إلى بعض أعضاء الهيئة التدريسية خلال السنوات الماضية كل هذه التهديدات تراكمت لتُفضي إلى الجريمة الكاملة المتمثلة في طرد الطلبة، وإغلاق أبواب المستقبل أمامهم.
وتابعت المنظمة أن الفعل العسكري المتعمد لا يمس التعليم وحده، بل يستهدف البنية النفسية والاجتماعية لتجمع عرب الكعابنة، الذي يعاني أصلًا من التهميش، وغياب البنية التحتية،وانعدام شبكات المياه والكهرباء فقد كانت المدرسة هي المؤسسة الوحيدة التي تنبض بالحياة وتوفر تواصلاً مجتمعياً وثقافياً لأبناء التجمع، ومن دونها يغدو المكان أكثر عزلة، وأكثر هشاشة أمام مخططات التهجير القسري.
وطالبت منظمة البيدر المجتمع الدولي بموقف واضح وصريح من هذه الجريمة، لا يكتفي بالإدانة الشكلية، بل يرتكز إلى آليات قانونية لردع الاحتلال عن تكرار مثل هذه الانتهاكات. كما دعت إلى إرسال لجان تقصٍ دولية لتوثيق حجم الضرر النفسي والمعنوي، والاطلاع على شهادات السكان، وتوفير الدعم القانوني لإعادة فتح المدرسة بشكل فوري ودون شروط.
وأكدت المنظمة أنها تعمل حاليًا على إعداد ملف قانوني متكامل يحتوي على إفادات موثّقة، وصور فوتوغرافية، وأدلة ميدانية سيتم رفعها إلى لجان الأمم المتحدة المعنية، منها لجنة التحقيق الدائمة الخاصة بفلسطين، ولجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد الأطفال.
وختمت منظمة البيدر تقريرها بالتأكيد أن التعليم في فلسطين هو خط دفاع أول عن الهوية والكرامة، وأن استهدافه لن يُضعف عزيمة الشعب الفلسطيني، بل سيزيد من الإصرار على الدفاع عن حق الأطفال في بيئة تعليمية آمنة، وأن المدرسة التي أُغلقت ستظل عنوانًا لنضال كل من يؤمن بأن القلم يجب أن يبقى أقوى من السلاح.