تقارير

مجزرة الأجنة.. أحلام مقتولة في "أنابيب الأمل"!

لم يستثنِ الموتُ أحدًا هناك.. فقد قتل المحتل الغاصب الأطفال في البيوت والخيام ومراكز النزوح، والرضع في أحضان أمهاتهم، والأجنة في بطونهم، وفي الضربة القاتلة "للأمل" استهدف أجنة مجمدة ينتظرون دورة حياة في أنابيب الفرح.. بينما ينتظر كثيرون كلمة "ماما" و"بابا" منذ زمن طويل، لكنهم وجدوا أنفسهم يبكون أطفالًا لن يولدوا أبدًا!

"صاروخ أصاب مركز البسمة للخصوبة والإنجاب وقتل أكثر من 5000 جنين مجمد" هكذا كان الخبر بحروف الهجاء العادية ومر عليه كثير دون أن يرتعد قلبه، ولكنه مر على قلب الغزية "فاطمة جراد" كقذيفة حطمته إلى ألف قطعة وقطعة!

 


أحلام موؤدة

كانت "فاطمة" واحدة من النساء اللواتي طرقن باب مركز البسمة الذي يعد أكبر مركز للإخصاب وأطفال الأنابيب، فلم يكتب لها القدر أن تنجب بطريقة طبيعية، فلجأت للتلقيح الصناعي وتجميد الأجنة فيه، لكن ضربة إسرائيلية واحدة قضت على أحلام 10 آلاف أب وأم كانوا يتمنون لو أنهم يستقبلون عامهم الجديد بطفل يملأ أيامهم بهجة وسرورًا ويضمونه بقلوبهم.

حين سمعت "فاطمة" وزوجها ذاك الخبر، انهار حلمها أن تكون من المحتفلات بأمومتهن في أعياد الأم القادمة، فقد كان هذا الأمل الأخير لهما ولغيرهم من آباء يرجون الله أن يرزقهم أطفالًا من صلبهم يحملون أسماءهم، ولنساء تمنين أن يمارسن حلم الأمومة، لا سيما أن رحلة التلقيح الصناعي وتجميد الأجنة قاسية ومشوار متعب به من المرض والإرهاق ما لا تصفه لغة كما يقول زوجها أحمد منصور لمنصة القدس 360.

حاورت منصة القدس 360 استشاري أمراض النساء والتوليد مدير مركز البسمة للإخصاب والإنجاب الدكتور بهاء الغلاييني الذي بكى بكاء شديدَا يوم قصف المركز.. ليس لأنه مكان عمله وشقاء عمره، بل لأجل الأمهات والآباء، لأجل فرحتهم المقتولة، ولأن الاحتلال الصهيوني يلاحق الأفراح المنتظرة فيئدها قبل أن ترى النور.. يقول مستهلًا حديثه: "بكيت كل الأمنيات التي كنت أراها في عيون الأهالي وبصيص الأمل الذي كنت ألحظه في وجوههم المتعبة"

ويضيف د. الغلاييني شارحًا ما حدث: "انفجار الصواريخ في المركز أدى إلى نزع الأغطية عن خمسة خزانات تحتوي على النيتروجين السائل كانت في زاوية من وحدة الأجنة، وحين تبخر السائل بالغ البرودة ارتفعت درجة الحرارة داخل الخزانات وقضى على أكثر من 4000 من أجنة أطفال الأنابيب، إضافة إلى 1000 أخرى لحيوانات منوية وبويضات غير مخصبة كانت هي الأخرى مخزنة في أنابيب بمركز "البسمة" للإخصاب وأطفال الأنابيب.

"أعلم جيدًا ماذا كانت تعنيه الخمسة آلاف حياة تلك، أو الحياة التي كانت محتملة، للآباء والأمهات.. في المستقبل وفي الماضي، فرغم الأوضاع التي يعيشها القطاع، يلجأ بعض الأزواج الذين يعانون من مشكلات في الإنجاب إلى التلقيح الصناعي، ومن أجل هذا الحلم يبيعون ممتلكاتهم ومجوهراتهم للدفع مقابل هذا الحلم" يختم د. الغلاييني حديثه.

الأمل المقتول

ووسط أنقاض وحطام المركز، ظهرت خزانات النيتروجين السائل، وكانت الأغطية مفتوحة، ليظهر في قاع أحد الخزانات سلة مملوءة بقصبات صغيرة ملونة.. هي الأجنة المقتولة.. الأحلام الموؤدة، والأمل المفقود... وفوق هذه الأنقاض تجمع أمهات وآباء جاؤوا يبكون أملهم الأخير!!

وككل الأحلام التي توأد في غزة، قتل المحتل الغاشم حلم "فاطمة" أن تكون أمًا، ولم يكتفِ بذلك، فقد قتلها بقصف همجي على البيت الذي نزحت إليه، حيث انفجرت أحشاؤها من قوة الصواريخ، واستشهدت دون أن تنزف قطرة دم واحدة، وقبل أن يتورد رحمها بطفلٍ كما كانت تشتهي، تقول أمها: "رحلت فاطمة إلى السماء دون أن تعيش شعور الأمومة، علها تكون أمَّا لطفل جميل في الجنة"!

ياسمين عنبر

كاتبة قصص إنسانية، من عروس فلسطين "حيفا" ومهجرة أنا وأجدادي إلى مدينة الحب والحرب "غزة"
زر الذهاب إلى الأعلى